فصل: مرة بن شراحيل الهمداني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 عبد الله بن المغفل المزني

وكان أحد البكائين وأحد العشرة الذين بعثهم عمر إلى البصرة ليفقهوا الناس، وهو أول من دخل تستر من المسلمين حين فتحها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/66‏)‏

لكن الصحيح ما حكاه البخاري عن مسدد أنه توفي سنة سبع وخمسين‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ توفي سنة ستين‏.‏

وقال غيره‏:‏ سنة إحدى وستين فالله أعلم‏.‏

ويروى عنه أنه رأى في منامه كأن القيامة قد قامت، وكان هناك مكان من وصل إليه نجا، فجعل يحاول الوصول إليه‏.‏

فقيل له‏:‏ أتريد أن تصل إليه وعندك ما عندك من الدنيا‏؟‏

فاستيقظ فعمد إلى عيبة عنده فيها ذهب كثير، فلم يصبح عليه الصباح إلا وقد فرقها في المساكين والمحاويج والأقارب رضي الله عنه‏.‏

 وفيها توفي عمران بن حصين بن عبيد

ابن خلف أبو نجيد الخزاعي، أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر، وشهد غزوات، وكان من سادات الصحابة‏.‏

استقضاه عبد الله بن عامر على البصرة فحكم له بها، ثم استعفاه فأعفاه، ولم يزل بها حتى مات في هذه السنة‏.‏

قال الحسن وابن سيرين البصري‏:‏ ما قدم البصرة راكب خير منه، وقد كانت الملائكة تسلم عليه، فلما اكتوى انقطع عنه سلامهم، ثم عادوا قبل موته بقليل فكانوا يسلمون عليه رضي الله عنه وعن أبيه‏.‏

 كعب بن عجزة الأنصاري أبو محمد المدني

صحابي جليل، وهو الذي نزلت فيه آية الفدية في الحج‏.‏

مات في هذه السنة‏.‏

وقيل‏:‏ قبلها بسنة عن خمس أو سبع وسبعين سنة‏.‏

 معاوية بن خديج

ابن جفنة بن قتيرة الكندي الخولاني المصري، صحابي على قول الأكثرين، وذكره ابن حبان في التابعين من الثقاة، والصحيح الأول، شهد فتح مصر، وهو الذي وفد إلى عمر بفتح الإسكندرية‏.‏

وشهد مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح قتال البربر، وذهبت عينه يومئذ، ووليّ حروباً كثيرة في بلاد المغرب‏.‏

وكان عثمانياً في أيام علي ببلاد مصر، ولم يبايع علياً بالكلية‏.‏

فلما أخذ معاوية بن أبي سفيان مصر أكرمه ثم استنابه بها بعد عبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه ناب بها بعد أبيه سنتين، ثم عزله معاوية، وولى معاوية بن خديج هذا، فلم يزل بمصر حتى مات بها في هذه السنة‏.‏

 هانئ بن نيار أبو بردة البلوي

المخصوص بذبح العناق وإجرزائها عن غيرها من الأضاحي، وشهد العقبة وبدراً والمشاهد كلها، وكانت راية بني حارثة معه يوم الفتح، رضي الله عنه‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/67‏)‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين

ففيها‏:‏ غزا عبد الرحمن بن أم الحكم بلاد الروم وشتى بها‏.‏

وفيها‏:‏ افتتح المسلمون وعليهم جنادة ابن أبي أمية جزيرة رودس فأقام بها طائفة من المسلمين كانوا أشد شيء على الكفار، يعترضون لهم في البحر، ويقطعون سبيلهم‏.‏

وكان معاوية يدر عليهم الأرزاق والأعطيات الجزيلة، وكانوا على حذر شديد من الفرنج، يبيتون في حصن عظيم عنده فيه حوائجهم ودوابهم وحواصلهم، ولهم نواطير على البحر ينذرونهم إن قدم عدو، أو كادهم أحد‏.‏

وما زالوا كذلك حتى كانت إمرة يزيد بن معاوية بعد أبيه، فحولهم من تلك الجزيرة، وقد كانت للمسلمين بها أموال كثيرة وزراعات غزيرة‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة سعيد بن العاص والي المدينة أيضاً، قاله أبو معشر والواقدي‏.‏

 وفي هذه السنة‏:‏ توفي جبلة ابن الأيهم الغساني كما ستأتي ترجمته في آخر هذه التراجم‏.‏

وفيها‏:‏  توفي الربيع بن زياد الحارثي، اختلف في صحبته، وكان نائب زياد على خراسان، وكان قد ذكر حجر بن عدي فأسف عليه، وقال‏:‏ والله لو ثارت العرب له لما قتل صبراً، ولكن أقرت العرب فذلت‏.‏

ثم لما كان يوم الجمعة دعا الله على المنبر أن يقبضه إليه، فما عاش إلى الجمعة الأخرى‏.‏

واستخلف على عمله ابنه عبد الله بن الربيع فأقره زياد على ذلك، فمات بعد ذلك بشهرين، واستخلف على عملهم بخراسان خليد بن عبد الله الحنفي فأقره زياد‏.‏

 رويفع بن ثابت

صحابي جليل شهد فتح مصر، وله آثار جيدة في فتح بلاد المغرب، ومات ببرقة والياً من جهة مسلمة بن مخلد نائب مصر‏.‏

وفى هذه السنة أيضاً‏:‏ توفي زياد بن أبي سفيان، ويقال له‏:‏ زياد بن أبيه وزياد بن سمية - وهي أمه - في رمضان من هذه السنة مطعوناً‏.‏

وكان سبب ذلك أنه كتب إلى معاوية يقول له‏:‏ إني قد ضبطت لك العراق بشمالي ويميني فارغة، فارع لي ذلك، وهو يعرض له أن يستنيبه على بلاد الحجاز أيضاً‏.‏

فلما بلغ أهل الحجاز جاؤوا إلى عبد الله بن عمر فشكوا إليه ذلك، وخافوا أن يلي عليهم زياد، فيعسفهم كما عسف أهل العراق‏.‏

فقام ابن عمر فاستقبل القبلة فدعا على زياد والناس يؤمنون، فطعن زياد بالعراق في يده فضاق ذرعاً بذلك، واستشار شريحاً القاضي في قطع يده‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/68‏)‏

فقال له شريح‏:‏ إني لا أرى ذلك، فإنه إن لم يكن في الأجل فسحة لقيت الله أجذم قد قطعت يدك خوفاً من لقائه، وإن كان لك أجل بقيت في الناس أجذم فيعير ولدك بذلك‏.‏

فصرفه عن ذلك، فلما خرج شريح من عنده عاتبه بعض الناس‏:‏ وقالوا‏:‏ هلا تركته فقطع يده‏؟‏ ‏!‏

فقال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏المستشار مؤتمن‏)‏‏)‏‏.‏

ويقال‏:‏ إن زياداً جعل يقول‏:‏ أأنام أنا والطاعون في فراش واحد‏؟‏

فعزم على قطع يده، فلما جيء بالمكاوي والحديد خاف من ذلك فترك ذلك‏.‏

وذكر أنه جمع مائة وخمسين طبيباً ليداووه مما يجد من الحر في باطنه، منهم ثلاثة ممن كان يطب كسرى بن هرمز، فعجزوا عن رد القدر المحتوم، والأمر المحموم‏.‏

فمات في ثالث شهر رمضان في هذه السنة، وقد قام في إمرة العراق خمس سنين‏.‏

ودفن بالثوية خارج الكوفة، وقد كان برز منها قاصداً إلى الحجاز أميراً عليها‏.‏

فلما بلغ خبر موته عبد الله بن عمر قال‏:‏ اذهب إليك يا بن سمية، فلا الدنيا بقيت لك، ولا الآخرة أدركت‏.‏

قال أبو بكر بن أبي الدنيا‏:‏ حدثني أبي يمن هشام بن محمد، حدثني يحيى بن ثعلبة أبو المقدم الأنصاري، عن أمه، عن عائشة، عن أبيها عبد الرحمن بن السائب الأنصاري‏.‏

قال‏:‏ جمع زياد أهل الكوفة، فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ليعرض عليهم البراءة من علي بن أبي طالب‏.‏

قال عبد الرحمن‏:‏ فإني لمع نفر من أصحابي من الأنصار، والناس في أمر عظيم من ذلك وفي حصر‏.‏

قال‏:‏ فهومت تهويمة - أي‏:‏ نعست نعسة - فرأيت شيئاً أقبل طويل العنق، له عنق مثل عنق البعير، أهدب أهدل فقلت‏:‏ ما أنت‏؟‏

فقال‏:‏ أنا النقاد ذو الرقبة، بعثت إلى صاحب هذا القصر، فاستيقظت فزعاً فقلت لأصحابي‏:‏ هل رأيتم ما رأيت‏؟‏

قالوا‏:‏ لا ‏!‏ فأخبرتهم، وخرج علينا خارج من القصر فقال‏:‏ إن الأمير يقول لكم‏:‏ انصرفوا عني‏:‏ فإني عنكم مشغول‏.‏

وإذا الطاعون قد أصابه‏.‏

وروى ابن أبي الدنيا‏:‏ أن زياداً لما ولي الكوفة سأل عن أعبدها فدل على رجل يقال له‏:‏ أبو المغيرة الحميري، فجاء به فقال له‏:‏ إلزم بيتك ولا تخرج منه، وأنا أعطيك من المال ما شئت‏.‏

فقال‏:‏ لو أعطيتني ملك الأرض ما تركت خروجي لصلاة الجماعة‏.‏

فقال‏:‏ الزم الجماعة ولا تتكلم بشيء‏.‏

فقال‏:‏ لا أستطيع ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأمر به فضربت عنقه‏.‏

ولما احتضر قال له ابنه‏:‏ يا أبة قد هيأت لك ستين ثوباً أكفنك فيها‏.‏

فقال‏:‏ يا بني، قد دنا من أبيك أمر إما لباس خير من لباسه، وإما سلب سريع‏.‏

وهذا غريب جداً‏.‏

 صعصعة بن ناجية

ابن عفان بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، كان سيداً في الجاهلية وفي الإسلام‏.‏

يقال‏:‏ أنه أحيى في الجاهلية ثلثمائة وستين موؤدة‏.‏

وقيل‏:‏ أربعمائة‏.‏

وقيل‏:‏ ستا وتسعين موؤدة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/69‏)‏

فلما أسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لك أجر ذلك إذ منّ الله عليك بالإسلام‏)‏‏)‏‏.‏

ويروى عنه‏:‏ أنه أول ما أحيى الموؤدة أنه ذهب في طلب ناقتين شردتا له‏.‏

قال‏:‏ فبينما أنا في الليل أسير، إذ أنا بنار تضيء مرة وتخبو أخرى‏.‏

فجعلت لا أهتدي إليها، فقلت‏:‏ اللهم لك علي إن أوصلتني إليها أن أدفع عن أهلها ضيماً إن وجدته بهم‏.‏

قال‏:‏ فوصلت إليها وإذا شيخ كبير يوقد ناراً، وعنده نسوة مجتمعات، فقلت‏:‏ ما أنتن‏؟‏

فقلن‏:‏ إن هذه امرأة قد حبستنا منذ ثلاث، تطلق ولم تخلص‏.‏

فقال الشيخ صاحب المنزل‏:‏ وما خبرك‏؟‏

فقلت‏:‏ إني في طلب ناقتين ندّتا لي‏.‏

فقال‏:‏ قد وجدتهما، إنهما لفي إبلنا‏.‏

قال‏:‏ فنزلت عنده‏.‏

قال‏:‏ فما هو إلا أن نزلت إذ قلن‏:‏ وضعت‏.‏

فقال الشيخ‏:‏ إن كان ذكراً فارتحلوا، وإن كان أنثى فلا تسمعنني صوتها‏.‏

فقلت‏:‏ علام تقتل ولدك ورزقه على الله‏؟‏

فقال‏:‏ لا حاجة لي بها‏.‏

فقلت‏:‏ أنا أفتديها منك وأتركها عندك حتى تبين عنك، أو تموت‏.‏

قال‏:‏ بكم‏؟‏

قلت‏:‏ بإحدى ناقتي‏.‏

قال‏:‏ لا ‏!‏‏.‏

قلت‏:‏ فبهما‏.‏

قال‏:‏ لا‏:‏ إلا أن تزيدني بعيرك هذا فإني أراه شاباً حسن اللون‏.‏

قلت‏:‏ نعم على أن تردني إلى أهلي‏.‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

فلما خرجت من عندهم رأيت أن الذي صنعته نعمة من الله منَّ بها علي هداني إليها، فجعلت لله عليّ أن لا أجد موؤدة إلا افتديتها كما افتديت هذه‏.‏

قال‏:‏ فما جاء الإسلام حتى أحييت مائة موؤدة إلا أربعاً، ونزل القرآن بتحريم ذلك على المسلمين‏.‏

وممن توفي في هذه السنة من المشاهير المذكورين  جبلة بن الأيهم الغساني

ملك نصارى العرب وهو جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن أبي شمر، واسمه المنذر بن الحارث‏.‏

وهو‏:‏ ابن مارية ذات القرطين‏.‏

وهو‏:‏ ابن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، واسمه‏:‏ كعب أبو عامر بن حارثة بن امرئ القيس، ومارية بنت أرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة‏.‏

ويقال غير ذلك في نسبه، وكنيته جبلة أبو المنذر الغساني الجفني، وكان ملك غسان، وهم نصارى العرب أيام هرقل‏.‏

وغسان أولاد عم الأنصار أوسها وخزرجها، وكان جبلة آخر ملوك غسان، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتاباً مع شجاع بن وهب يدعوه إلى الإسلام فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال ابن عساكر‏:‏ إنه لم يسلم قط، وهكذا صرح به الواحدي وسعيد بن عبد العزيز‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ شهد اليرموك مع الروم أيام عمر بن الخطاب ثم أسلم بعد ذلك في أيام عمر، فاتفق أنه وطء رداء رجل من مزينة بدمشق، فلطمه ذلك المزني، فدفعه أصحاب جبلة إلى أبي عبيدة فقالوا‏:‏ هذا لطم جبلة‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ فيلطمه جبلة‏.‏

فقالوا‏:‏ أو ما يقتل ‏؟‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/70‏)‏

قال‏:‏ لا ‏!‏‏.‏

قالوا‏:‏ فما تقطع يده ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ لا، إنما أمر الله بالقود‏.‏

فقال جبلة‏:‏ أترون أني جاعل وجهي بدلاً لوجه مازني جاء من ناحية المدينة‏؟‏ بئس الدين هذا‏.‏

ثم ارتد نصرانياً، وترحل بأهله حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان‏:‏ إن صديقك جبلة ارتد عن الإسلام‏.‏

فقال‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

ثم قال‏:‏ ولِمَ‏؟‏

قال‏:‏ لطمه رجل من مزينة‏.‏

فقال‏:‏ وحق له، فقام إليه عمر بالدرة فضربه‏.‏

ورواه الواقدي عن معمر وغيره، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، وساق ذلك بأسانيده إلى جماعة من الصحابة‏.‏

وهذا القول هو أشهر الأقوال‏.‏

وقد روى ابن الكلبي وغيره‏:‏ أن عمر لما بلغه إسلام جبلة فرح بإسلامه، ثم بعث يستدعيه ليراه بالمدينة‏.‏

وقيل‏:‏ بل استأذنه جبلة في القدوم عليه فأذن له، فركب في خلق كثير من قومه‏.‏

قيل‏:‏ مائة وخمسين راكباً‏.‏

فلما سلم على عمر رحب به عمر وأدنى مجلسه، وشهد الحج مع عمر في هذه السنة، فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطء إزاره رجل من بني فزارة فانحل، فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل‏.‏

ومن الناس من يقول‏:‏ إنه قلع عينه، فاستعدى عليه الفزاري إلى عمر ومعه خلق كثير من بني فزارة، فاستحضره عمر فاعترف جبلة‏.‏

فقال له عمر‏:‏ أقدته منك‏؟‏

فقال‏:‏ كيف، وأنا ملك وهو سوقة ‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ إن الإسلام جمعك وإياه، فلست تفضله إلا بالتقوى‏.‏

فقال جبلة‏:‏ قد كنت أظن أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية‏.‏

فقال عمر‏:‏ دع ذاعنك، فإنك إن لم ترضِ الرجل أقدته منك‏.‏

فقال‏:‏ إذاً أتنصر‏.‏

فقال‏:‏ إن تنصرت ضربت عنقك‏.‏

فلما رأى الحد قال‏:‏ سأنظر في أمري هذه الليلة، فانصرف من عند عمر، فلما ادلهمّ الليل ركب في قومه ومن أطاعه فسار إلى الشام ثم دخل بلاد الروم ودخل على هرقل في مدينة القسطنطينية، فرحب به هرقل وأقطعه بلاداً كثيرة، وأجرى عليه أرزاقاً جزيلة، وأهدى إليه هدايا جميلة، وجعله من سمّاره، فمكث عنده دهراً‏.‏

ثم إن عمر كتب كتاباً إلى هرقل مع رجل يقال له‏:‏ جثامة بن مساحق الكناني‏.‏

فلما بلغ هرقل كتاب عمر بن الخطاب قال له هرقل‏:‏ هل لقيت ابن عمك جبلة ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ لا ‏!‏‏.‏

قال‏:‏ فالقه، فذكر اجتماعه به وما هو فيه من النعمة والسرور والحبور الدنيوي، في لباسه وفرشه ومجلسه وطيبه وجواريه، حواليه الحسان من الخدم والقيان، ومطعمه وشرابه وسروره وداره التي تعوض بها عن دار الإسلام‏.‏

وذكر أنه دعاه إلى الإسلام والعود إلى الشام فقال‏:‏ أبعد ما كان مني من الارتداد ‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ نعم ‏!‏ إن الأشعث بن قيس ارتد وقاتلهم بالسيوف، ثم لما رجع إلى الحق قبله منه وزوجه الصديق بأخته أم فروة‏.‏

قال‏:‏ فالتهى عنه بالطعام والشراب، وعرض عليه الخمر فأبى عليه، وشرب جبلة من الخمر شيئاً كثيراً حتى سكر، ثم أمر جواريه المغنيات فغنينه بالعيدان من قول حسان يمدح بني عمه من غسان، والشعر في والد جبلة هذا الحيوان‏:‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/71‏)‏

لله در عصابةٍ نادمتهم * يوماً بجلق في الزمان الأول

أولاد جفنة حول قبر أبيهم * قبر ابن مارية الكريم المفضل

يسقون من ورد البريص عليهم * بردى يصفّق بالرحيق السلسل

بيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم * شم الأنوف من الطراز الأول

يغشون حتى ما تهر كلابهم * لا يسألون عن السواد المقبل

قال‏:‏ فأعجبه قولهن ذلك‏.‏

ثم قال‏:‏ هذا شعر حسان بن ثابت الأنصاري فينا وفي ملكنا‏.‏

ثم قال لي‏:‏ كيف حاله‏؟‏

قلت‏:‏ تركته ضريراً شيخاً كبيراً‏.‏

ثم قال لهن‏:‏ أطربنني، فاندفعن يغنين لحسان أيضاً‏:‏

لمن الديار أوحشت بمغان * بين أعلا اليرموك فالصمان

فالقريات من بلامس فداريـ*ـا فكساء لقصور الدواني

فقفا جاسمٍ فأودية الصـ*ـفر مغنى قبائلٍ وهجان

تلك دار العزيز بعد أنيسٍ * وحلوكٍ عظيمة الأركان

صلوات المسيح في ذلك الديـ*ـر دعاء القسيس والرهبان

ذاك مغنى لآل جفنة في الدهـ*ـر محاه تعاقب الأزمان

قد أراني هناك حق مكينٍ * عند ذي التاج مجلسي ومكاني

ثكلت أمهم وقد ثكلتهم * يوم حلوا بحارث الحولاني

وقددنا الفصح فالولائد ينظمـ*ـن سراعاً أكلة المرجان

ثم قال‏:‏ هذا لابن الفريعة حسان بن ثابت فينا وفي ملكنا وفي منازلنا بأكناف غوطة دمشق‏.‏

قال‏:‏ ثم سكت طويلاً، ثم قال لهن‏:‏ بكينني، فوضعن عيدانهن ونكسن رؤوسهن وقلن‏:‏

تنصرت الأشراف من عار لطمةٍ * وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

تكنفني فيها اللجاج ونخوةٌ * وبعت بها العين الصحيحة بالعور

فيا ليت أمي لم تلدني وليتني * رجعت إلى القول الذي قاله عمر

ويا ليتني أرعى المخاض بقفرةٍ * وكنت أسيراً في ربيعة أو مضر

ويا ليت لي بالشام أدنى معيشةٍ * أجالس قومي ذاهب السمع والبصر

أدين بما دانوا به من شريعةٍ * وقد يصبر العود الكبير على الدبر

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/72‏)‏

قال‏:‏ فوضع يده على وجهه فبكى حتى بلّ لحيته بدموعه وبكيت معه، ثم استدعى بخمسمائة دينار هرقلية فقال‏:‏ خذ هذه فأوصلها إلى حسان بن ثابت، وجاء بأخرى فقال‏:‏ خذ هذه لك‏.‏

فقلت‏:‏ لا حاجة لي فيها ولا أقبل منك شيئاً وقد ارتددت عن الإسلام‏.‏

فيقال‏:‏ إنه أضافها إلى التي لحسان، فبعث بألف دينار هرقلية، ثم قال له‏:‏ أبلغ عمر بن الخطاب مني السلام وسائر المسلمين‏.‏

فلما قدمت على عمر أخبرته خبره فقال‏:‏ ورأيته يشرب الخمر‏؟‏

قلت‏:‏ نعم ‏!‏

قال‏:‏ أبعده الله، تعجل فانية بباقية فما ربحت تجارته‏.‏

ثم قال‏:‏ وما الذي وجه به لحسان‏؟‏

قلت‏:‏ خمسمائة دينار هرقلية، فدعا حساناً فدفعها إليه، فأخذها وهو يقول‏:‏

إن ابن جفنة من بقية معشرٍ * لم يغرهم آباؤهم باللوم

لم ينسني بالشام إذ هو ربها * كلا ولا منتصراً بالروم

يعطي الجزيل ولا يراه عنده * إلا كبعض عطية المحروم

وأتيته يوماً فقرب مجلسي * وسقا فرواني من المذموم

ثم لما كان في هذه السنة من أيام معاوية بعث معاوية عبد الله بن مسعدة الفزاري رسولاً إلى ملك الروم، فاجتمع بجبلة بن الأيهم، فرأى ما هو فيه من السعادة الدنيوية والأموال من الخدم والحشم والذهب والخيول‏.‏

فقال له جبلة‏:‏ لو أعلم أن معاوية يقطعني أرض البثينة فإنها منازلنا، وعشرين قرية من غوطة دمشق ويفرض لجماعتنا، ويحسن جوائزنا، لرجعت إلى الشام‏.‏

فأخبر عبد الله بن مسعدة معاوية بقوله، فقال معاوية‏:‏ أنا أعطيه ذلك، وكتب إليه كتاباً مع البريد بذلك، فما أدركه البريد إلا وقد مات في هذه السنة قبحه الله‏.‏

وذكر أكثر هذه الأخبار الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في ‏(‏المنتظم‏)‏ وأرخ وفاته هذه السنة - أعني‏:‏ سنة ثلاث وخمسين - وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في ‏(‏تاريخه‏)‏ فأطال الترجمة وأفاد‏.‏

ثم قال في آخرها‏:‏ بلغني أن جبلة توفي في خلافة معاوية بأرض الروم بعد سنة أربعين من الهجرة‏.‏

 سنة أربع وخمسين

ففيها‏:‏ كان شتى محمد بن مالك بأرض الروم، وغزا الصائفة معن بن يزيد السلمي‏.‏

وفيها‏:‏ عزل معاوية سعيد بن العاص عن إمرة المدينة ورد إليها مروان بن الحكم، وكتب إليه أن يهدم دار سعيد بن العاص، ويصطفي أمواله التي بأرض الحجاز، فجاء مروان إلى دار سعيد ليهدمها فقال سعيد‏:‏ ما كنت لتفعل ذلك، فقال‏:‏ إن أمير المؤمنين كتب إليّ بذلك، ولو كتب إليك في داري لفعلته‏.‏

فقام سعيد فأخرج إليه كتاب معاوية إليه حين ولاه المدينة أن يهدم دار مروان ويصطفي ماله، وذكر أنه لم يزل يحاجف دونه حتى صرف ذلك عنه، فلما رأى مروان الكتاب إلى سعيد بذلك، ثناه ذلك عن سعيد، ولم يزل يدافع عنه حتى تركه معاوية في داره وأقرّ عليه أمواله‏.‏

وفيها‏:‏ عزل معاوية سمرة بن جندب عن البصرة، وكان زياد استخلفه عليها فأقره معاوية ستة أشهر، وولى عليها عبد الله بن عمرو بن غيلان‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/73‏)‏

وروى ابن جرير وغيره عن سمرة أنه قال لما عزله معاوية‏:‏ لعن الله معاوية لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبداً‏.‏

وهذا لا يصح عنه‏.‏

وأقر عبد الله بن خالد بن أسيد على نيابة الكوفة، وكان زياد قد استخلفه عليها فأبقاه معاوية‏.‏

وقدم في هذه السنة عبيد الله بن زياد على معاوية فأكرمه وسأله عن نواب أبيه على البلاد فأخبره عنهم، ثم ولاه إمرة خراسان وهو ابن خمس وعشرين سنة‏.‏

فسار إلى مقاطعته وتجهز من فوره غادياً إليها، فقطع النهر إلى جبال بخارا، ففتح رامس ونصف بيكند - وهما من معاملة بخارا - ولقي الترك هناك فقاتلهم قتالاً شديداً وهزمهم هزيمة فظيعة بحيث إن المسلمين أعجلوا امرأة الملك أن تلبس خفيها‏.‏

فلبست واحدة وتركت أخرى، فأخذها المسلمون فقوموا جواهرها بمائتي ألف درهم، وغنموا مع ذلك غنائم كثيرة، وأقام عبيد الله بخراسان سنتين‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ حج بالناس مروان بن الحكم نائب المدينة‏.‏

وكان على الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد‏.‏

وقيل‏:‏ بل كان عليها الضحاك بن قيس، وكان على البصرة عبد الله بن غيلان‏.‏

 ذكر من توفي فيها من الأعيان‏:‏

 أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي

أبو محمد المدني مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه، وحبه وابن حبه، وأمه بركة أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته، ولاه رسول الله الإمرة بعد مقتل أبيه فطعن بعض الناس في إمرته‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمرة أبيه من قبله، وأيم الله إن كان لخليقاً بالإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ بعده‏)‏‏)‏‏.‏

وثبت في ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ عنه أن رسول الله كان يجلس الحسن على فخذه ويجلس أسامة على فخذه الأخرى، ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم إني أحبهما فأحبهما‏)‏‏)‏، وفضائله كثيرة‏.‏

توفي رسول الله وعمره تسع عشرة سنة، وكان عمر إذا لقيه يقول‏:‏ السلام عليك أيها الأمير‏.‏

وصحح أبو عمر بن عبد البر أنه توفي في هذه السنة‏.‏

وقال غيره‏:‏ سنة ثمان، أو تسع وخمسين‏.‏ وقيل‏:‏ توفي بعد مقتل عثمان‏.‏ فالله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/74‏)‏

 ثوبان بن مجدد

مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقدمت ترجمته في مواليه ومن كان يخدمه عليه السلام، أصله من العرب فأصابه سبي فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، فلزم رسول الله سفراً وحضراً‏.‏

فلما مات أقام بالرملة، ثم انتقل إلى حمص فابتنى بها داراً ولم يزل بها حتى مات في هذه السنة على الصحيح‏.‏

وقيل‏:‏ سنة أربع وأربعين، وهو غلط‏.‏

ويقال‏:‏ إنه توفي بمصر، والصحيح بحمص‏.‏

 جبير بن مطعم

تقدم أنه توفي سنة خمسين‏.‏

 الحارث بن ربعي

أبو قتادة الأنصاري، وقال الواقدي‏:‏ اسمه النعمان بن ربعي‏.‏

وقال غيره‏:‏ عمرو بن ربعي، وهو أبو قتادة الأنصاري السلمي المدني فارس الإسلام، شهد أحداً وما بعدها، وكان له يوم ذي قرد سعي مشكور كما قدمنا هناك‏.‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالاتنا سلمة بن الأكوع‏)‏‏)‏‏.‏

وزعم أبو أحمد الحاكم أنه شهد بدراً وليس بمعروف‏.‏

وقال أبو سعيد الخدري‏:‏ أخبرني من هو خير مني أبو قتادة الأنصاري أن رسول الله قال لعمار‏:‏ ‏(‏‏(‏تقتلك الفئة الباغية‏)‏‏)‏‏.‏

قال الواقدي وغير واحد‏:‏ توفي في هذه السنة - يعني‏:‏ سنة أربع وخمسين - بالمدينة عن سبعين سنة‏.‏

وزعم الهيثم بن عدي وغيره توفي بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه علي بن أبي طالب، وهذا غريب‏.‏

 حكيم بن حزام

ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي، أبو خالد المكي، أمه فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى‏.‏

وعمته خديجة بنت خويلد زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأم أولاده سوى إبراهيم‏.‏

ولدته أمه في جوف الكعبة قبل الفيل بثلاث عشرة سنة، وذلك أنها دخلت تزور فضربها الطلق وهي في الكعبة فوضعته على نطع، وكان شديد المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ولما كان بنو هاشم وبنو المطلب في الشعب لا يبايعوا ولا يناكحوا، كان حكيم يقبل بالعير يقدم من الشام فيشتريها بكمالها، ثم يذهب بها فيضرب أدبارها حتى يلج الشعب يحمل الطعام والكسوة تكرمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعمته خديجة بنت خويلد‏.‏

وهو الذي اشترى زيد بن حارثة فابتاعته منه عمته خديجة فوهبته لرسول الله فأعتقه، وكان اشترى حلة ذي يزن فأهداها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلبسها، قال‏:‏ فما رأيت شيئاً أحسن منه فيها‏.‏

ومع هذا ما أسلم إلا يوم الفتح هو وأولاده كلهم‏.‏

قال البخاري وغيره‏:‏ عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، وكان من سادات قريش وكرمائهم وأعلمهم بالنسب، وكان كثير الصدقة والبر والعتاقة، فلما أسلم سأل عن ذلك رسول الله فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أسلمت على ما أسلمت من خير‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/75‏)‏

وقد كان حكيم شهد مع المشركين بدراً وتقدم إلى الحوض فكاد حمزة أن يقتله، فما سحب إلا سحباً بين يديه، فلهذا كان إذا اجتهد في اليمين يقول‏:‏ لا والذي نجاني يوم بدر‏.‏

ولما ركب رسول الله إلى فتح مكة ومعه الجنود بمر الظهران، خرج حكيم وأبو سفيان يتجسسان الأخبار، فلقيهما العباس، فأخذ أبا سفيان فأجاره، وأخذ له أماناً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسلم أبو سفيان ليلتئذ كرهاً‏.‏

ومن صبيحة ذلك اليوم أسلم حكيم وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً، وأعطاه مائة من الإبل، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا حكيم إن هذه المال حلوة خضرة، وإنه من أخذه بسخاوة بورك له فيه، ومن أخذه بإسراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع‏)‏‏)‏‏.‏

فقال حكيم‏:‏ والذي بعثك بالحق لا أرزأ بعدك أبداً‏.‏

فلم يرزأ أحداً بعده، وكان أبو بكر يعرض عليه العطاء فيأبى، وكان عمر يعرض عليه العطاء فيأبى، فيشهد عليه المسلمين، ومع هذا كان من أغنى الناس‏.‏

مات الزبير يوم مات ولحكيم عليه مائة ألف، وقد كان بيده حين أسلم الرفادة ودار الندوة فباعها بعد من معاوية بمائة ألف‏.‏

وفي رواية‏:‏ بأربعين ألف دينار، فقال له ابن الزبير‏:‏ بعت مكرمة قريش‏؟‏

فقال له حكيم‏:‏ ابن أخي ذهبت المكارم فلا كرم إلا التقوى، يا بن أخي إني اشتريتها في الجاهلية بزق خمر، ولأشترين بها داراً في الجنة، أشهدك أني قد جعلتها في سبيل الله‏.‏

وهذه الدار كانت لقريش بمنزلة دار العدل، وكان لا يدخلها أحد إلا وقد صار سنه أربعين سنة، إلا حكيم بن حزام فإنه دخلها وهو ابن خمس عشرة سنة، ذكره الزبير بن بكار‏.‏

وذكر الزبير أن حكيماً حج عاماً فأهدى مائة بدنة مجللة، وألف شاة، وأوقف معه بعرفات وصيف في أعناقهم أطوقة الفضة، وقد نقش فيها‏:‏ هؤلاء عتقاء الله عن حكيم بن حزام، فأعتقهم وأهدى جميع تلك الأنعام رضي الله عنه‏.‏

توفي حكيم في هذه السنة على الصحيح‏.‏

وقيل‏:‏ غير ذلك وله مائة وعشرون سنة‏.‏

 حويطب بن عبد العزى العامري

صحابي جليل، أسلم عام الفتح، وكان قد عمّر دهراً طويلاً، ولهذا جعله عمر في النفر الذين جددوا أنصاب الحرم، وقد شهد بدراً مع المشركين، ورأى الملائكة يومئذ بين السماء والأرض، وشهد الحديبية وسعى في الصلح‏.‏

فلما كان عمرة القضاء كان هو وسهيل هما اللذان أمرا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج من مكة، فأمر بلالاً أن لا تغرب الشمس وبمكة أحد من أصحابه‏.‏

قال‏:‏ وفي كل هذه المواطن أهم بالإسلام ويأبى الله إلا ما يريد، فلما كان زمن الفتح خفت خوفاً شديداً وهربت فلحقني أبو ذر - وكان لي خليلاً في الجاهلية - فقال‏:‏ يا حويطب مالك‏؟‏

فقلت‏:‏ خائف‏.‏

فقال‏:‏ لا تخف فإنه أبر الناس وأوصل الناس، وأنا لك جار فاقدم معي، فرجعت معه فوقف بي على رسول الله وهو بالبطحاء ومعه أبو بكر وعمر، وقد علمني أبو ذر أن أقول‏:‏ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فلما قلت ذلك قال‏:‏ حويطب‏؟‏

قلت‏:‏ نعم ‏!‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله‏.‏

فقال‏:‏ الحمد لله الذي هداك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/76‏)‏

وسُرَ بذلك واستقرضني مالاً فأقرضته أربعين ألفاً، وشهدت معه حنيناً والطائف، وأعطاني من غنائم حنين مائة بعير‏.‏

ثم قدم حويطب بعد ذلك المدينة فنزلها وله بها دار، ولما ولي عليها مروان بن الحكم جاءه حويطب، وحكيم بن حزام، ومخرمة بن نوفل، فسلموا عليه وجعلوا يتحدثون عنده ثم تفرقوا، ثم اجتمع حويطب بمروان يوماً آخر فسأله مروان عن عمره فأخبره، فقال له‏:‏ تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث‏.‏

فقال حويطب‏:‏ الله المستعان، والله لقد هممت بالإسلام غير مرة كل ذلك يعوقني أبوك يقول تضع شرفك وتدع دين آبائك لدين محدث‏؟‏ وتصير تابعاً‏؟‏

قال‏:‏ فأسكت مروان وندم على ما كان قال له، ثم قال حويطب‏:‏ أما كان أخبرك عثمان ما كان لقي من أبيك حين أسلم‏؟‏

قال‏:‏ فازداد مروان غماً‏.‏

وكان حويطب ممن شهد دفن عثمان، واشترى منه معاوية داره بمكة بأربعين ألف دينار فاستكثرها الناس‏.‏

فقال‏:‏ وما هي في رجل له خمسة من العيال‏؟‏

قال الشافعي‏:‏ كان حويطب جيد الإسلام، وكان أكثر قريش ريعاً جاهلياً‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ عاش حويطب في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، ومات حويطب في هذه السنة بالمدينة وله مائة وعشرون سنة‏.‏

وقال غيره‏:‏ توفي بالشام‏.‏

له حديث واحد رواه البخاري، ومسلم، والنسائي من حديث السائب بن يزيد عنه عن عبد الله بن السعدي، عن عمر في العمالة، وهو من عزيز الحديث لأنه اجتمع فيه أربعة من الصحابة رضي الله عنهم‏.‏

 معبد بن يربوع بن عنكثة

ابن عامر بن مخزوم، أسلم عام الفتح، وشهد حنيناً، وأعطاه رسول الله خمسين من الإبل، وكان اسمه صرماً، وفي رواية أصرم، فسماه معبداً‏.‏

وكان في جملة النفر الذين أمرهم عمر بتجديد أنصاب الحرم، وقد أصيب بصره بعد ذلك فأتاه عمر يعزيه فيه، رواه البخاري‏.‏

قال الواقدي وخليفة وغير واحد‏:‏ مات في هذه السنة بالمدينة‏.‏

وقيل‏:‏ بمكة وهو ابن مائة وعشرين سنة‏.‏

وقيل‏:‏ أكثر من ذلك‏.‏

 مرة بن شراحيل الهمداني

يقال له‏:‏ مرة الطيب، ومرة الخير‏.‏

روى عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود وغيرهم‏.‏

كان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة، فلما كبر صلى أربعمائة ركعة، ويقال‏:‏ إنه سجد حتى أكل التراب جبهته، فلما مات رُئي في المنام - وقد صار ذلك المكان نوراً - فقيل له‏:‏ أين منزلك‏؟‏

فقال‏:‏ بدار لا يظعن أهلها ولا يموتون‏.‏

 النعيمان بن عمرو

ابن رفاعة بن الحر، شهد بدراً وما بعدها، ويقال‏:‏ إنه الذي كان يؤتى به في الشراب‏.‏

فقال رجل‏:‏ لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به‏!‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/77‏)‏

 سودة بنت زمعة

القرشية العامرية، أم المؤمنين، تزوجها رسول الله بعد خديجة، وكانت قبله عند السكران بن عمر وأخي سهيل بن عمرو، فلما كبرت همّ رسول الله بطلاقها‏.‏

ويقال‏:‏ إنه طلقها، فسألته أن يبقيها في نسائه وتهب يومها لعائشة، فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله‏:‏ ‏{‏وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً‏}‏ الآية‏:‏ ‏[‏النساء‏:‏ 128‏]‏‏.‏

وكانت ذات عبادة وورع وزهادة، قالت عائشة‏:‏ ما من امرأة أحب إليّ أن أكون في مسلاخها غير أن فيها حدة تسرع منها الفيئة‏.‏

ذكر ابن الجوزي وفاتها في هذه السنة، وقال ابن أبي خيثمة‏:‏ توفيت في آخر خلافة عمر بن الخطاب‏.‏ فالله أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وخمسين

فيها‏:‏ عزل معاوية عبد الله بن غيلان عن البصرة وولى عليها عبيد الله بن زياد، وكان سبب عزل معاوية بن غيلان عن البصرة‏:‏ أنه كان يخطب الناس فحصبه رجل من بني ضبة فأمر بقطع يده‏.‏

فجاء قومه إليه فقالوا له‏:‏ إنه متى بلغ أمير المؤمنين أنك قطعت يده في هذا الصنع فعل به وبقومه نظير ما فعل بحجر بن عدي، فاكتب لنا كتاباً أنك قطعت يده في شبهة، فكتب لهم فتركوه عندهم حيناً ثم جاؤوا معاوية فقالوا له‏:‏ إن نائبك قطع يد صاحبنا في شبهة فأقدنا منه‏.‏

قال‏:‏ لا سبيل إلى القود من نوابي ولكن الدية، فأعطاهم الدية وعزل ابن غيلان‏.‏

وقال لهم‏:‏ اختاروا من تريدون فذكروا رجالاً فقال‏:‏ لا ‏!‏

ولكن أولي عليكم ابن أخي عبيد الله بن زياد، فولاه فاستخلف ابن زياد على خراسان أسلم بن زرعة، فلم يغز ولم يفتح شيئاً، وولى قضاء البصرة لزرارة بن أوفى ثم عزله وولى ابن أذينة، وولى شرطتها عبد الله بن الحصين‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة مروان بن الحكم نائب المدينة‏.‏

وفيها‏:‏ عزل معاوية عبد الله بن خالد بن أسيد عن الكوفة وولى عليها الضحاك بن قيس رضي الله عنه‏.‏

 ذكر من توفي من الأعيان في هذه السنة

 أرقم بن أبي الأرقم

عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أسلم قديماً، يقال‏:‏ سابع سبعة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/78‏)‏

وكانت داره كهفاً للمسلمين يأوي إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أسلم من قريش، وكانت عند الصفا وقد صارت فيما بعد ذلك للمهدي فوهبها لامرأته الخيزران أم موسى الهادي وهارون الرشيد، فبنتها وجددتها فعرفت بها، ثم صارت لغيرها‏.‏

وقد شهد الأرقم بدراً وما بعدها من المشاهد، ومات بالمدينة في هذه السنة، وصلى عليه سعد بن أبي وقاص أوصى به رضي الله عنهما، وله بضع وثمانون سنة‏.‏

 سحبان بن زفر بن إياس

ابن عبد شمس بن الأجب الباهلي الوائلي، الذي يضرب بفصاحته المثل‏.‏

فيقال‏:‏ أفصح من سحبان وائل، ووائل هو ابن معد بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس بن غيلان بن مضر بن نزار، وباهلة امرأة مالك بن أعصر، ينسب إليها ولدها، وهي باهلة بنت صعب بن سعد العشيرة‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ سحبان المعروف‏:‏ بسحبان وائل، بلغني أنه وفد إلى معاوية فتكلم فقال معاوية‏:‏ أنت الشيخ‏؟‏

فقال‏:‏ إي والله وغير ذلك، ولم يزد ابن عساكر على هذا، وقد نسبه ابن الجوزي في كتابه ‏(‏المنتظم‏)‏ كما ذكرنا‏.‏

ثم قال‏:‏ وكان بليغاً بليغاً يضرب المثل بفصاحته، دخل يوماً على معاوية وعنده خطباء القبائل‏.‏

فلما رأوه خرجوا لعلمهم بقصورهم عنه، فقال سحبان‏:‏

لقد علم الحي اليمانون أنني * إذا قلت أما بعد أني خطيبها

فقال له معاوية‏:‏ أخطب ‏!‏

فقال‏:‏ أنظروا لي عصى تقيم من أودي‏.‏

فقالوا‏:‏ وماذا تصنع بها وأنت بحضرة أمير المؤمنين‏؟‏

فقال‏:‏ ما كان يصنع بها موسى وهو يخاطب ربه، فأخذها وتكلم من الظهر إلى أن قاربت العصر، ما تنحنح ولا سعل ولا توقف ولا ابتدأ في معنى فخرج عنه وقد بقيت عليه بقية فيه‏.‏

فقال معاوية‏:‏ الصلاة ‏!‏

فقال‏:‏ الصلاة أمامك، ألسنا في تحميد وتمجيد وعظة وتنبيه، وتذكير ووعد ووعيد‏؟‏

فقال معاوية‏:‏ أنت أخطب العرب‏.‏

قال‏:‏ العرب وحدها‏؟‏ بل أخطب الجن والإنس‏.‏

قال‏:‏ كذلك أنت‏.‏

 سعد بن أبي وقاص

واسمه مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب، أبو إسحاق القرشي الزهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله وهو عنهم راضٍ‏.‏

أسلم قديماً، قالوا‏:‏ وكان يوم أسلم عمره سبع عشرة سنة‏.‏

وثبت عنه في ‏(‏الصحيح‏)‏ أنه قال‏:‏ ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام سابع سبعة‏.‏

وهو الذي كّوف الكوفة ونفى عنها الأعاجم، وكان مجاب الدعوة، وهاجر وشهد بدراً وما بعدها، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان فارساً شجاعاً من أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في أيام الصديق معظماً جليل المقدار، وكذلك في أيام عمر، وقد استنابه على الكوفة، وهو الذي فتح المدائن، وكانت بين يديه وقعة جلولاء‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/79‏)‏

وكان سيداً مطاعاً، وعزله عن الكوفة عن غير عجز ولا خيانة، ولكن لمصلحة ظهرت لعمر في ذلك‏.‏

وقد ذكره في الستة أصحاب الشورى، ثم ولاه عثمان بعدها، ثم عزله عنها‏.‏

وقال الحميدي‏:‏ عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال‏:‏ شهد سعد بن أبي وقاص وابن عمر دومة الجندل يوم الحكمين‏.‏

وثبت في ‏(‏صحيح مسلم‏)‏‏:‏ أن ابنه عمر جاء إليه وهو معتزل في إبله فقال‏:‏ الناس يتنازعون الإمارة وأنت هاهنا‏؟‏

فقال‏:‏ يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إن الله يحب العبد الغني الخفي التقي‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ ذكر بعض أهل العلم أن ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص جاءه فقال له‏:‏ يا عم هاهنا مائة ألف سيف يرونك أحق الناس بهذا الأمر‏.‏

فقال‏:‏ أريد من مائة ألف سيفاً واحداً إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئاً، وإذا ضربت به الكافر قطع‏.‏

وقال عبد الرزاق عن ابن جريج‏:‏ حدثني زكريا بن عمر وأن سعد بن أبي وقاص وفد على معاوية فأقام عنده شهر رمضان يقصر الصلاة ويفطر‏.‏

وقال غيره‏:‏ فبايعه وما سأله سعد شيئاً إلا أعطاه إياه‏.‏

قال أبو يعلى‏:‏ حدثنا زهير ثنا إسماعيل بن علية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم‏.‏

قال‏:‏ قال سعد‏:‏ إني لأول رجل رمى بسهم في المشركين، وما جمع رسول الله أبويه لأحد قبلي‏.‏

ولقد سمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إرم فداك أبي وأمي‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا يزيد بن هارون، ثنا إسماعيل، عن قيس سمعت سعد بن مالك يقول‏:‏ والله إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله، ولقد كنا نغزو مع رسول الله وما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة وهذا السَّمرُ، حتى أن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ماله خِلطٌ‏.‏

ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الدين، لقد خبت إذاً وضلّ عملي‏.‏

وقد رواه شعبة، ووكيع، وغير واحد، عن إسماعيل بن أبي خالد به‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا ابن سعيد، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، عن سعد‏.‏

قال‏:‏ جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أُحد‏.‏

ورواه أحمد أيضاً‏:‏ عن غندر، عن شعبة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري‏.‏

وقد رواه الليث وغير واحد عن يحيى الأنصاري‏.‏

ورواه غير واحد، عن سعيد بن المسيب، عن سعد‏.‏

ورواه الناس من حديث عامر بن سعد، عن أبيه‏.‏

وفي بعض الروايات‏:‏ ‏(‏‏(‏فداك أبي وأمي‏)‏‏)‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إرم وأنت الغلام الحزور‏)‏‏)‏‏.‏

قال سعيد‏:‏ وكان سعد جيد الرمي‏.‏

وقال الأعمش‏:‏ عن أبي خالد، عن جابر بن سمرة‏.‏

قال‏:‏ أول الناس رمى بسهم في سبيل الله سعد رضي الله عنه‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا وكيع، ثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الله بن شداد سمعت علياً يقول‏:‏ ما سمعت رسول الله يفدي أحداً بأبويه إلا سعد بن مالك، وإني سمعته يقول له يوم أحد‏:‏ ‏(‏‏(‏ارم سعد فداك أمي وأبي‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه البخاري‏:‏ عن أبي نعيم، عن مسعر، عن سعد بن إبراهيم به‏.‏

ورواه شعبة‏:‏ عن سعد بن إبراهيم‏.‏

ورواه سفيان بن عيينة وغير واحد عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، عن علي بن أبي طالب فذكره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/80‏)‏

وقال عبد الرزاق‏:‏ أنا معمر، عن أيوب أنه سمع عائشة بنت سعد تقول‏:‏ أنا بنت المهاجر الذي فداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبوين‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ حدثني عبيدة بن نابل، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها‏.‏

قال‏:‏ لقد رأيتني أرمي بالسهم يوم أُحد فيرده عليّ رجل أبيض حسن الوجه لا أعرفه، حتى كان بعد ذلك فظننت أنه ملك‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، ثنا إبراهيم، عن سعد، عن أبيه، عن سعد بن أبي وقاص‏.‏

قال‏:‏ لقد رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن يساره يوم أُحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد‏.‏

ورواه الواقدي‏:‏ حدثني إسحاق بن أبي عبد الله، عن عبد العزيز - جد ابن أبي عون - عن زياد مولى سعد، عن سعد قال‏:‏ رأيت رجلين يوم بدر يقاتلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وإني لأراه ينظر إلى ذا مرة وإلى ذا مرة مسروراً بما ظفره الله عزّ وجلّ‏.‏

وقال سفيان‏:‏ عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، عن أبيه‏.‏

قال‏:‏ اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فيما أصبنا من الغنيمة، فجاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعمار بشيء‏.‏

وقال الأعمش‏:‏ عن إبراهيم بن علقمة، عن ابن مسعود‏.‏

قال‏:‏ لقد رأيت سعد بن أبي وقاص يوم بدر يقاتل قتال الفارس للراجل‏.‏

وقال مالك‏:‏ عن يحيى بن سعيد، أنه سمع عبد الله بن عامر يقول‏:‏ قالت عائشة‏:‏ بات رسول الله أرقاً ذات ليلة ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ليت رجلاً صالحاً يحرسني الليلة‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ إذ سمعنا صوت السلاح‏.‏

فقال‏:‏ من هذا‏؟‏

قال‏:‏ أنا سعد بن أبي وقاص، أنا أحرسك يا رسول الله‏.‏

قالت‏:‏ فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه‏.‏

أخرجاه من حديث يحيى بن سعيد‏.‏

وفي رواية‏:‏ فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا قتيبة، ثنا رشدين بن سعد، عن يحيى بن الحجاج بن شداد، عن أبي صالح، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة‏)‏‏)‏، فدخل سعد بن أبي وقاص‏.‏

وقال أبو يعلى‏:‏ حدثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الله بن قيس الرقاشي الخراز، بصري‏:‏ ثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر‏.‏

قال‏:‏ كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يدخل عليكم من ذا الباب رجل من أهل الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فليس منا أحد إلا وهو يتمنى أن يكون من أهل بيته، فإذا سعد بن أبي وقاص قد طلع‏.‏

وقال حرملة‏:‏ عن ابن وهب، أخبرني حيوة، أخبرني عقيل، عن ابن شهاب، حدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك‏.‏

قال‏:‏ بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة‏)‏‏)‏، فاطلع سعد بن أبي وقاص، حتى إذا كان الغد قال رسول الله مثل ذلك‏.‏

قال‏:‏ فاطلع سعد بن أبي وقاص على ترتيبه الأول، حتى إذا كان الغد قال رسول الله مثل ذلك‏.‏

قال‏:‏ فطلع على ترتيبه‏.‏

فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثار عبد الله بن عمرو بن العاص فقال‏:‏ إني غاضبت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاث ليالٍ، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تنحل يميني فعلت‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/81‏)‏

قال أنس‏:‏ فزعم عبد الله بن عمرو أنه بات معه ليلة حتى إذا كان الفجر فلم يقم تلك الليلة شيئاً، غير أنه كان إذا انقلب على فراشه ذكر الله وكبره حتى يقوم مع الفجر، فإذا صلى المكتوبة أسبغ الوضوء وأتمه ثم يصبح مفطراً‏.‏

قال عبد الله بن عمرو‏:‏ فرمقته ثلاث ليال وأيامهن لا يزيد على ذلك، غير أني لا أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الليالي الثلاث وكدت أحتقر عمله، قلت‏:‏ إنه لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر‏.‏

ولكني سمعت رسول الله قال ذلك في ثلاث مرات في ثلاث مجالس‏:‏ ‏(‏‏(‏يطلع عليكم رجل من أهل الجنة‏)‏‏)‏ فاطلعت أنت أولئك المرات الثلاث‏.‏

فأردت أن آوي إليك حتى أنظر ما عملك فأقتدي بك لأنال ما نلت، فلم أرك تعمل كثير عمل، ما الذي بلغ بك ما قال رسول الله‏؟‏

فقال‏:‏ ما هو إلا الذي رأيت‏.‏

قال‏:‏ فلما رأيت ذلك انصرفت فدعا بي حين وليت، فقال‏:‏ ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي سوءاً لأحد من المسلمين، ولا أنوي له شراً ولا أقوله‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ هذه التي بلغت بك وهي التي لا أطيق‏.‏

وهكذا رواه صالح المزي، عن عمر بن دينار - مولى الزبير - عن سالم، عن أبيه فذكر مثل رواية أنس بن مالك‏.‏

وثبت في ‏(‏صحيح مسلم‏)‏ من طريق سفيان الثوري، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 52‏]‏ نزلت في ستة، أنا وابن مسعود منهم‏.‏

وفي رواية‏:‏ أنزل الله فيَّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏ 8‏]‏‏.‏

وذلك أنه لما أسلم امتنعت أمه من الطعام والشراب أياماً، فقال لها‏:‏ تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا لشيء، إن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي، فنزلت هذه الآية‏.‏

وأما حديث الشهادة للعشرة بالجنة فثبت في الصحيح عن سعيد بن زيد‏.‏

وجاء من حديث سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة في قصة حراء ذكر سعد بن أبي وقاص منهم‏.‏

وقال هشيم وغير واحد‏:‏ عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر‏.‏

قال‏:‏ كنا مع رسول الله فأقبل سعد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا خالي فليرني امرؤ خاله‏)‏‏)‏‏.‏رواه الترمذي‏.‏

وقال الطبراني‏:‏ حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا عبد الوهاب بن الضحاك، ثنا إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن ماعز التميمي، عن جابر قال‏:‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل سعد فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا خالي‏)‏‏)‏‏.‏

وثبت في ‏(‏الصحيح‏)‏ من حديث مالك وغيره، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه‏:‏ أن رسول الله جاءه يعوده عام حجة الوداع من وجع اشتد به‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا‏)‏‏)‏ ‏!‏

قلت‏:‏ فالشطر يا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا‏)‏‏)‏ ‏!‏

قلت‏:‏ فالثلث‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخلف بعد أصحابي‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خوّلة يرثي له رسول الله أن مات بمكة‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/82‏)‏

ورواه أحمد‏:‏ عن يحيى بن سعيد، عن الجعد بن أوس، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها فذكر نحوه، وفيه قال‏:‏ فوضع يده على جبهته فمسح وجهه وصدره وبطنه وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم اشف سعداً وأتم له هجرته‏)‏‏)‏‏.‏

قال سعد‏:‏ فما زلت يخيل إليّ أني أجد برده على كبدي حتى الساعة‏.‏

وقال ابن وهب‏:‏ حدثني موسى بن علي بن رباح، عن أبيه‏:‏ ‏(‏‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد سعداً فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم أذهب عنه البأس، إله الناس، ملك الناس، أنت الشافي لا شافي له إلا أنت، بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من حسد وعين، اللهم أصح قلبه وجسمه، واكشف سقمه وأجب دعوته‏)‏‏)‏‏.‏

وقال ابن وهب‏:‏ أخبرني عمر، وعن بكر بن الأشج قال‏:‏ سألت عامر بن سعد عن قول رسول الله لسعد‏:‏ ‏(‏‏(‏وعسى أن تبقى وينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ أُمِّرَ سعد على العراق فقتل قوماً على الردة فضرهم، واستتاب قوماً كانوا سجعوا سجع مسيلمة الكذاب فتابوا فانتفعوا به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا المغيرة، ثنا معاذ بن رفاعة، حدثني علي بن زيد، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة‏.‏

قال‏:‏ جلسنا إلى رسول الله فذكَّرنا ورققنا، فبكى سعد بن أبي وقاص فأكثر البكاء وقال‏:‏ يا ليتني مت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا سعد إن كنت للجنة خلقت فما طال عمرك أو حسن من عملك فهو خير لك‏)‏‏)‏‏.‏

وقال موسى بن عقبة وغيره‏:‏ عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن سعد‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم سدد رميته وأجب دعوته‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه سيار بن بشير‏:‏ عن قيس، عن أبي بكر الصديق‏.‏

قال‏:‏ سمعت رسول الله يقول لسعد‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم سدد سهمه وأجب دعوته، وحببه إلى عبادك‏)‏‏)‏‏.‏

وروي من حديث ابن عباس، وفي رواية محمد بن عائد الدمشقي، عن الهيثم بن حميد، عن مطعم، عن المقدام وغيره أن سعداً قال‏:‏ يا رسول الله ادع الله أن يجيب دعوتي‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنه لا يستجيب الله دعوة عبد حتى يطيب مطعمه‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله ادع الله أن يطيب مطعمي، فدعا له‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ فكان سعد يتورع من السنبلة يجدها في زرعه فيردها من حيث أخذت‏.‏

وقد كان كذلك مجاب الدعوة لا يكاد يدعو بدعاء إلا استجيب له، فمن أشهر ذلك ما رُوي في ‏(‏الصحيحين‏)‏ من طريق عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سلمة‏:‏ أن أهل الكوفة شكوا سعداً إلى عمر في كل شيء حتى قالوا‏:‏ لا يحسن يصلي‏.‏

فقال سعد‏:‏ أما إني لا آلو أن أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيل الأوليين وأحذف الأخرتين‏.‏

فقال‏:‏ الظن بك يا أبا إسحاق، وكان قد بعث من يسأل عنه بمحال الكوفة، فجعلوا لا يسألون أهل مسجد إلا أثنوا خيراً، حتى مروا بمسجد لبني عبس فقام رجل منهم يقال له أبو سعدة أسامة بن قتادة فقال‏:‏ إن سعداً كان لا يسير في السرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في الرعية القضية‏.‏

فبلغ سعداً فقال‏:‏ اللهم إن كان عبدك هذا قام مقام رياء وسمعة فأطل عمره، وأدم فقره، وأعمِ بصره، وعرضه للفتن‏.‏

قال‏:‏ فأنا رأيته بعد ذلك شيخاً كبيراً قد سقطت حاجباه على عينيه يقف في الطريق فيغمز الجواري فيقال له، فيقول‏:‏ شيخ مفتون أصابته دعوة سعد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/83‏)‏

وفي رواية غريبة أنه أدرك فتنة المختار بن أبي عبيد فقتل فيها‏.‏

وقال الطبراني‏:‏ ثنا يوسف القاضي، ثنا عمرو بن مرزوق، ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن سعيد بن المسيب‏.‏

قال‏:‏ خرجت جارية لسعد يقال لها زبراء، وعليها قميص جديد فكشفتها الريح فشد عليها عمر بالدرة، وجاء سعد ليمنعه فتناوله عمر بالدرة فذهب سعد يدعو على عمر، فناوله الدرة وقال‏:‏ اقتص مني فعفى عن عمر‏.‏

وروي أيضاً‏:‏ أنه كان بين سعد وابن مسعود كلام فهمّ سعد أن يدعو عليه فخاف ابن مسعود وجعل يشتد في الهرب‏.‏

وقال سفيان بن عيينة‏:‏ لما كان يوم القادسية كان سعد على الناس وقد أصابته جراح فلم يشهد يوم الفتح، فقال رجل من بجيلة‏:‏

ألم تر أن الله أظهر دينه * وسعد بباب القادسية معصم

فأبنا وقد أيمت نساء كثيرة * ونسوة سعد ليس فيهن أيم

فقال سعد‏:‏ اللهم اكفنا يده ولسانه، فجاءه سهم غرب فأصابه فخرس ويبست يداه جميعاً‏.‏

وقد أسند زياد البكائي وسيف بن عمر، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر، عن ابن عمر فذكر مثله‏.‏

وفيه‏:‏ ثم خرج سعد فأرى الناس ما به من القروح في ظهره ليعتذر إليهم‏.‏

وقال هشيم‏:‏ عن أبي بلح، عن مصعب بن سعد‏:‏ أن رجلاً نال من علي فنهاه سعد فلم ينته، فقال سعد‏:‏ أدعو عليك فلم ينته، فدعا الله عليه حتى جاء بعير نادٍ فتخبطه‏.‏

وجاء من وجه آخر عن عامر بن سعد‏:‏ أن سعداً رأى جماعة عكوفاً على رجل فأدخل رأسه من بين اثنين فإذا هو يسب علياً وطلحة والزبير، فنهاه عن ذلك فلم ينته، فقال‏:‏ أدعو عليك، فقال الرجل‏:‏ تتهددني كأنك نبي‏؟‏ فانصرف سعد فدخل دار آل فلان فتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه فقال‏:‏ اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواماً قد سبق لهم منك سابقة الحسنى، وأنه قد أسخطك سبه إياهم، فاجعله اليوم آية وعبرة‏.‏

قال‏:‏ فخرجت بختية نادة من دار آل فلان لا يردها شيء حتى دخلت بين أضعاف الناس، فافترق الناس فأخذته بين قوائمها، فلم يزل تتخبطه حتى مات‏.‏

قال‏:‏ فلقد رأيت الناس يشتدون وراء سعد يقولون‏:‏ استجاب الله دعاءك يا أبا إسحاق‏.‏

ورواه حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب فذكر نحوه‏.‏

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا‏:‏ حدثني الحسن بن داود بن محمد بن المنكدر القرشي، ثنا عبد الرزاق، عن أبيه، عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف‏:‏ أن امرأة كانت تطلع على سعد فنهاها فلم تنته، فاطلعت يوماً وهو يتوضأ، فقال‏:‏ شاه وجهك، فعاد وجهها في قفاها‏.‏

وقال كثير النوري‏:‏ عن عبد الله بن بديل قال‏:‏ دخل سعد على معاوية فقال له‏:‏ مالك لم تقاتل معنا‏؟‏

فقال‏:‏ إني مرت بي ريح مظلمة فقلت‏:‏ أخ أخ‏.‏

فأنخت راحلتي حتى انجلت عني ثم عرفت الطريق فسرت‏.‏

فقال معاوية‏:‏ ليس في كتاب الله أخ أخ‏.‏

ولكن قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 9‏]‏، فوالله ما كنت مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على الباغية‏.‏

فقال سعد‏:‏ ما كنت لأقاتل رجلاً قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/84‏)‏

فقال معاوية‏:‏ من سمع هذا معك‏؟‏

فقال‏:‏ فلان، وفلان، وأم سلمة‏.‏

فقال معاوية‏:‏ أما إني لو سمعته منه صلى الله عليه وسلم لما قاتلت علياً‏.‏

وفي رواية من وجه آخر‏:‏ أن هذا الكلام كان بينهما وهما بالمدينة في حجة حجها معاوية، وأنهما قاما إلى أم سلمة فسألاها فحدثتهما بما حدث به سعد‏.‏

فقال معاوية‏:‏ لو سمعت هذا قبل هذا اليوم لكنت خادماً لعلي حتى يموت أو أموت‏.‏

وفي إسناد هذا ضعف والله أعلم‏.‏

وقد روي عن سعد أنه سمع رجلاً يتكلم في علي وفي خالد، فقال‏:‏ إنه لم يبلغ ما بيننا إلى ديننا‏.‏

وقال محمد بن سيرين‏:‏ طاف سعد على تسع جوار في ليلة، فلما انتهى إلى العاشرة أخذه النوم فاستحيت أن توقظه‏.‏

ومن كلامه الحسن أنه قال لابنه مصعب‏:‏ يا بني إذا طلبت شيئاً فاطلبه بالقناعة، فإنه من لا قناعة له لم يغنه المال‏.‏

وقال حماد بن سلمة عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد‏.‏

قال‏:‏ كان رأس أبي في حجري وهو يقضي فبكيت، فقال‏:‏ ما يبكيك يا بني‏؟‏ والله إن الله لا يعذبني أبداً، وإني من أهل الجنة، إن الله يدين للمؤمنين بحسناتهم فاعملوا لله، وأما الكفار فيخفف عنهم بحسناتهم، فإذا نفدت قال‏:‏ ليطلب كل عامل ثواب عمله ممن عمل له‏.‏

وقال الزهري‏:‏ لما حضرت سعداً الوفاة، دعا بخلق جبة فقال‏:‏ كفنوني في هذه فإني لقيت فيها المشركين يوم بدر، وإنما خبأتها لهذا اليوم‏.‏

وكانت وفاة سعد بالعقيق خارج المدينة، فحمل إلى المدينة على أعناق الرجال فصلى عليه مروان، وصلى بصلاته أمهات المؤمنين الباقيات الصالحات، ودفن بالبقيع، وكان ذلك في هذه السنة - سنة خمس وخمسين - على المشهور الذي عليه الأكثرون، وقد جاوز الثمانين على الصحيح‏.‏

قال علي بن المديني‏:‏ وهو آخر العشرة وفاة‏.‏

وقال غيره‏:‏ كان آخر المهاجرين وفاة رضي الله عنه وعنهم أجمعين‏.‏

وقال الهيثم بن عدي‏:‏ سنة خمسين‏.‏

وقال أبو معشر، وأبو نعيم مغيث بن المحرر‏:‏ توفي سعد سنة ثمان وخمسين‏.‏

زاد مغيث‏:‏ وفيها‏:‏ توفي الحسن بن علي، وعائشة، وأم سلمة، والصحيح الأول - خمس وخمسين - قالوا‏:‏ وكان قصيراً، غليظاً، شثن الكفين، أفطس، أشعر الجسد، يخضب بالسواد، وكان ميراثه مائتي ألف وخمسين ألفاً‏.‏

 فضالة بن عبيد الأنصاري الأوسي

أول مشاهده أُحد وشهد بيعة الرضوان، ودخل الشام، وتولى القضاء بدمشق في أيام معاوية بعد أبي الدرداء‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ مات سنة ثلاث وخمسين، وقال غيره‏:‏ سنة سبع وستين‏.‏

وقال ابن الجوزي في ‏(‏المنتظم‏)‏‏:‏ توفي في هذه السنة والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/85‏)‏

 قثم بن العباس بن عبد المطلب

كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، تولى نيابة المدينة في أيام علي، وشهد فتح سمرقند فاستشهد بها‏.‏

 كعب بن عمرو أبو اليسر

الأنصاري السلمي، شهد العقبة وبدراً، وأسر يومئذٍ العباس بن عبد المطلب، وشهد ما بعد ذلك من المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو حاتم وغيره‏:‏ مات سنة خمس وخمسين، زاد غيره وهو آخر من مات من أهل بدر‏.‏